للورشة التعلميّة أو التدريبية عناصر عديدة منها: المشاركين.ات، فريق التدريب، المُحتوى، وتصميم البرنامج، وانسجام هذه الأمور معاً وتوافقها. كلّها أمورٌ تساهم في جعل الورشة إمّا ناجحة ومميزة، وإمّا صعبة وغير ملائمة. ولقد اخترت أن أطرح تأملاً أكثر تخصصاً، يحاكي جانباً واحداً، ألا وهو فريق المدربين. اخترت هذا الجانب لأّنه على عكس العناصر الأُخرى قد لا يختلف اختلافا جذريّاً مع اختلاف السياق، وإنمّا يمكننا استنباط دروس من بعض التجارب التي خضناها دون أن يكون شكل المقال حالة دراسية محددة السياق.
وأود هنا أن أشارككم.ن بعض الأفكار المبنية من تأمل مرتبط بورشات عمل في التنظيم المجتمعي بشكل محدد، والمقدمة من فريق تدريب من ثلاثة مدربين على الأقل وليس مدرّباً واحداً.
بالتأمل في تجربتي خلال الأعوام الماضية، والتفكير بالورشات التي تميّز عمل فريق التدريب فيها، ومن خلال مقارنة التجارب لمحاولة استكشاف أسرار هذا التميز، توصلّت إلى أنّ عناصر الفريق التدريبي المميز بالنسبة لي تشكلت بالأساس في مزيج من ستة عناصر، هي:
– الحضور واليقظة
– التعلّم
– الحرفيّة النابعة من الثقة بالمشاركين
– المرونة
– الثقة
– خلف الكواليس
.
علماً أنّ العناصر متداخلة وبعضها لا يتحقق إلّا بوجود العنصر الآخر، ولكنني سأتحدث فيما يلي عن كل واحدة على حدة:
الحضور واليقظة
حضور فريق المدربين.ات بوعيٍ وإدراكٍ هو أمر في غاية الأهمية. خصوصاً المُدّرب.ة المسؤول.ة عن الورشة وعن دعم الفريق التدريبي. وبالحضور أعني بأن يكون حاضراً بالقيم، والتصرف، والقرارات، والتأمل المستمر. ومن الأمور الأساسية والمهمّة استنباط تعلّم من التجربة. الحضور والوعي لأثر القرارات وتنوعها في توجيه طاقة الورشة. الحضور واليقظة كفعلين يبدوان كمسارين متكاملين، ويتطلبان خبرة تدريب وثقة في المحتوى والذات. يبدأ المسار بأن يكون المدرب.ة يقظاً لما يحصل كفعل في قاعة التدريب بإدراكٍ عميق، لا أن يكون واعياً فقط لما يحصل على مستوى الفعل، ولكن بُعد ذلك قيمياً أو تعلّميّاً. يعني مثلاً في لحظة توتر المشاركين.ات أمام لحظة اتخاذ قرار ما، مجرّد إدراك وجود توتر هو أمر هام جداً، ولكن الأهم تيقظ المدرب.ة لاختيار آلية مناسبة لإدارة هذا التوتر بأسلوب ينمذج القيم التي نصبو لها في تلك اللحظة ويمكّن المشاركين.ات من استنباط تعلّم من التجربة.
حتى يكون لهذا الحضور فائدة فإنّ معرفة المدرب.ة لخيارات محددة يمكن تعديلها، او ابتكاره لأمور لإنقاذ انحدار الطاقة، أو استثمار لحظة تعلمية، او تعديل مسار العمل، وبناءً على تأمل وتحليل في تلك اللحظات، مع ثقته.ا بقدرته.ا على تملك الهدف التعلمي ولو بتغيير الأسلوب، سيتجرأ بأخذ قرار قد يغيّر البرنامج، ومن ثم يكون يقظاً مجدداً للعودة إلى المسار. فهي عملية من اليقظة والذكاء وسرعة البديهة في لحظة التدريب، ولربما عملية تأمل تشاركي عندما لا يكون الأمر ملحّاً، ويتحمل الانتظار للقرار مع فريق التدريب.
مثال: في إحدى الورشات واجهنا بعض الثغرات المتكررة في الحوار الجماعي في القاعة، تكررت المداخلات الهدامة و الحوار غير البنّاء. مع وعينا لصعوبة تيسير هذه الحوارات في كل مرة لم نكن يقظين كفاية كفريق للتدخل بالشكل المناسب لإنقاذ اللحظات أو أخذها لتعلّم أعمق أو حماية الأفراد. أما في مثال لتجربة تدريب أخرى، كان لتواصلنا الدائم مع المشاركين.ات وإدراكنا لأهمية وجود جلسة تمكين وقصص لم يكونا ضمن الأجندة المصمّمة ، فقررنا معاً القيام بجلسة مسائية اختياريّة مما أغنى الورشة وساهم في وجود تفاعل كبير بين المشاركين.ات، وتكوين التقاء قيمي بينهم.ن .
التعلّم
لأننا نخوض كمدربين.ات تجارب عديدة، فإنّ تميز تجربة ورشات العمل من حيث “التعلم” يصبح مع الوقت أصعب وأكثر أهمية لتحفيزنا وزيادة دافعيتنا.وجود فرص للتعمّق في المعرفة، وخوض نقاشات تطوّر فهمنا بالعمق، هي ما يجعل تحضير المدربين.ات قبل الورشة أوالعمل خلال الورشة ذاتها مميزاً. فالموضوع ليس بكمية المعلومات التي تُطرح أو تُعطى، وإنما أي الأمور نغوص في العمق لفهمها وتحليل تفاصيلها. ومن الأمور التي تساعد على حصول ذلك وجود وقت للحوار ويكون مدرجاً بشكل قصدي على أجندة العمل، وليس متقطعاً أو قصيراً خلال الورشة أو خلال جلسات تحضير المدربين.ات للورشة.
قيمة التعلّم تتطلب تغيير البرنامج لاستكمال هذا الحوار حتى نصل لعمق بدون بتره لغايات الوقت. ومن الأمور التي تجعل حصول هذا العمق ممكناً هي قدرة المدرب.ة وجاهزيته.ا على تحفيز التفكير الناقد والمعمق، وتوجيه أسئلة ناقدة، ووجود آلية رصد للتعلّم تُثمّن وتضيء على تعلم الأفراد.
الحرفية النابعة من الثقة بالمشاركين
من تجربتي في المرات التي استثمرنا فيها أنفسنا للقضية، أو المشاركين.ات، أو الاثنين معاً أننا بالنتيجة قدمنا مستوى أداء متميز. فأخرج منا التزاماً أعلى بالحرفية، و براعة نابعة من الدافعية للقضية أو المشاركين.ات. الاهتمام بالارتقاء بمستوى التدريب هي قيمة مهمّة أعتقد أن فريق التدريب يصبوا لها أكثر كل ما زادت ثقته بقدرة المشاركين.ات وجديتهم.ن. بالعودة إلى التجارب التي كان فيها الميسر.ة غير مؤمن.ة بقدرة المجموعة، أو يشعر بضعفهم.ن، وعدم جديتهم.ن، او عدم مناسبة التدريب لهم.ن، كل هذا كان يجعله يبث طاقة غير بنّاءة مع المجموعة، ويضعف رغبته.ا بالاستثمار بهم، وبالتالي يؤثر سلباً على ادائه.ا ودافعيته.ا للتميّز. ومن هذه الفكرة أستنبط ثلاثة دروس:
١) جزء من مسؤوليتنا كفريق للتدريب، هو تمكين زملائنا المدربين.ات من إدراك معنى وارتباط شخصي بالقضية أو المشاركين.ات يجعل التزامهم ووقتهم في الورشة ذي أهمية على المستوى الشخصي لهم. كمدربين تنظيم مجتمعي من المهم جداً أن يكون انخراطنا في ورشة ما كمدربين ليس ذهنياً فقط لمعرفتنا بأهمية هذا النهج للمجموعة وإنما ارتباطاً قيمياً يجعل التوق للحرفيّة نابع من التزام شخصي بالإضافة للمهني. قد يبدأ هذا بالتشكل عند تكوين قصصنا المرتبطة بالقضية، ولكن من المهم تعزيزه في لحظات الإحباط خلال الورشة، وأهمية بث روح الإيمان بقدرة المشاركين خلال الورشة للارتقاء بمستوى التدريب. القيام بذلك أولاً لدعم المدرب.ة نفسه.ا لأن الأداء المتميز للمدرب يعزز ثقته بنفسه، ويعمّق تعلّمه.ا ومن ناحية أخرى أيضاً لإعطاء حق التعلّم لأي مشارك فاعل في المجموعة، حتى وإن كان المشاركون.ات. يعانون من تحدّيات في الورشة. هذه الآلية تعيدنا مجدداً لجوهر عملنا وهو تمكين الآخر، وهنا التمكين لا يقتصر عالمهارات وإنما الدافع الشخصي والفكري للعمل. نمذجة ذلك مع المدرب.ة وليس فقط المشاركين.ات هو أمر أجده في غاية الأهمية.
٢) اختيار مدربين.ات مرتبطين.ات بالقضية له دور أساسي في تحقيق هذه الفرضية. في حال كان المدرب.ة من أهل القضية بشكل مباشر، أو غير مباشر، فهذا يعزز ارتباطه.ا القيمي بالورشة والمشاركين. في حال لم يكن المدربين.ات من أهل القضية، فنتوجه لاختيار مدربين مرتبطين بالموضوع، ليساعدهم على العطاء بشغف وليساهم في فهمهم للسياق وبالتالي يسهّل عليهم.ن تيسير الجلسات وطرح أسئلة تحفّز النقاش العميق، فمثلاً نحّبذ اختيار ميسّرة مهتمّة بحقوق المرأة أو متطوعة في هذا المجال لتكون ضمن فريق تدريبي لورشة حول تعزيز القيادة النسوية.
٣) يكون الإبداع أحياناً حلاًّ لتحدي فريق المشاركين.ات: قد يكون أحد تحديات فريق معين هو عدم مواءمة الورشة لما يحتاجه مشاركي.ات هذا الفريق من مهارات. أوعدم استعدادهم.ن بعد لهذه المرحلة من العمل الجماعي. يقع هنا على عاتق المدرب.ة التشخيص الذكي لما يمكن فعله، بدلاً من الجلسة المحددة والمعدة مسبقاً، وذلك ليستثمر وقته ووقت الفريق بتعلّم مفيد.
المرونة
لكي يستطيع المدرب أن يتحلّى بالمرونة من المهم أن يكون مسيطراً على المادة ومتمرّساً في التدريب. لأن إحساسه هو ما سيمكنّه من اتخاذ قرارات قد تغيّر مجرى الورشة بثقة. وبالتالي المرونة صفة مهمة جداً لتجسيد اليقظة، وإدراك الأمور خلال الورشة . ولا يمكن لمدرب.ة يقظ.ة التعاطي مع ما يشاهد، أوما يختبر في الورشة بطريقة فعلية دون أن يكون مرناً أو لديه مساحة للمرونة. المرونة المحبّذة هي التي تأخذ التدريب إلى مكان أفضل، دون التخلي عن تحقيق الأهداف التعلمية لعدم فقدان الثقة بالمدرب.ة لتحلّيه بهذه الصفة.
ثقة بفريق التدريب
أجمل التجارب التي اختبرتها، هي تجارب يتحلى فيها فريق التدريب بالثقة بقدرة الفريق على التواصل والتحاور للتعاطي مع تحدٍّ ما.
مع أهمية القيادة الترابطية، وقدرة الفريق على أن يكون فعّالاً وأعضاؤه منجزين لمسؤولياتهم بفعالية، فإن اهتمام الفريق بالتعاطي مع التحديات والنقاش فيها لاتخاذ القرار، وقدرتهم.ن على اتخاذ قرارات حكيمة لتحقيق الهدف بفعالية هو أمر مهم.
وأجد بعض الفِرق أكثر قدرة على ذلك، حيث تنمو ثقتهم ببعض فلا يصبح نقاش الفريق فقط لطرح المشاكل، وانما لاقتراح الحلول، والتغيير بناءً عليه. فهي صفة مرتبطة بقوة باليقظة والمرونة معاً. وهذه الحالة هي التي تجعلني كمدربة عندما أواجه تحدٍّ ما أن أحضره معي إلى المجموعة للحوار دون تردد، فلا أقوم بقرار فردي لثقتي بأن الحوار الجماعي سيؤدي الى نتيجة قيمة. الثقة تُبنى مع الوقت، وبالتالي فإن تكرار التجارب مع مدربين أثبتوا قدرتهم الجماعية على التعاطي مع التحديات تجعل الثقة تنمو.
خلف الكواليس
وأخيراً وليس آخراً، من المهم الإشارة الى أن ديناميكية الفريق التدريبي، وتجانس طاقة أعضاء الفريق معاً هي أمر مهم للغاية. حيث أن أي توترات فردية بين أعضاء الفريق، ستؤثر سلباً على الأداء العام للورشة حتى لو تمتع المدربون.ات بمهنية عالية، بالإضافة إلى كيفية استقبال المشاركين.ات لهذه التوترات وأثرها عليهم.. وبالتالي فان فريقاً تدريبيّاً متجانساً -إما لوجود علاقة صداقة، أو لاعتيادهم على العمل معاً- من تجارب سابقة يظهر كفاءة أعلى. أو يعكس روح الفريق بشكل أجمل. هذه العلاقات تبنى أحياناً بشكل اجتماعي، وتعزز باتفاق الفريق على أعراف عمل تؤسس للتعاطي مع التوترات، وللحظات الفرح والدعم بين أعضاء الفريق، تذكروا دوماً أن ما يحصل خلف الكواليس وإن لم يكن مرئياً، فإن طاقته تُبَثُ أمام الجمهور.