كل عمل مجتمعي يبدأ من قيادي.ة، لم يكتفِ.تكتفِ بالشعور بالغضب والألم على قضية معيّنة، ولم يكتفِ.تكتفِ بسؤال ما العمل؟ ولكنّهم.ن تجرأوا.ن على الخوض في غموض الإجابة عن هذا السؤال عملياً وليس فلسفياً، وبدأو.ن بتشكيل حملة. وهنا لا نتحدّث عن قيادين.ات يبحثون.ن عن موظفين.ات أو تابعين.ات لتحقيق حلمهم.ن بالتغيير، وإنمّا قياديين.ات يبحثون.ن عن أشخاص يشاطرونهم.ن نفس القيم والشغف نحو القضية، ليحددوا.ن هدفهم.ن ويبدأون.ن العمل على تحقيقه. هذا الفريق من القيادين.ات يُسمّى بنهج التنظيم المجتمعي، الفريقُ المؤسس.
يُركز هذا المقال على كيفية إنشائه، وفهم مسؤولياته، وترتيب عمله، لتوسيع الحملة، ولتُحقيق الهدف، طارحاً نموذجاً جيداً للعمل الجماعي المبني على القيم والتشاركية.
من الممكن أن تبدأ الحملة ليس من قيادي.ة واحد.ة، ولكن مجموعة مكوّنة من اثنين، أو ثلاثة، يتشاركون/ن الألم من موضوع معيّن، أو رغبة مُلحة بالتغيير في قضية محددة، واستجابةً للألم والأمل يبدأون.ن بالتفكير بتنظيم تحرك على شكل حملة و يبحثون/ن عن أشخاص يشاركونهم.ن نفس الألم والرغبّة بالتغيير، أو يبحثون/ن عن معلومات مفصّلة عن القضية، أو قد يبدأون/ن بجلسات نقاش لتحديد الهدف، وقد يقومون.ن بتوزيع مسؤوليات معينة على أنفسهم.ن نحو بناء الهويّة الأوّلية لحملتهم.ن، أو قد ينخرطون.ن في ترتيب التحرك الأوّل.
سنتطرق في هذا المقال لكيفية تأسيس فريق ثابت، واضح، قادر على إطلاق حملة مُنظمة، وقادر على استدامة الجهد وتوسيع القاعدة، وقادر أيضاً على تطوير استراتيجة وتنفيذها لتحقيق الهدف.
إن كنتم.ن بصدد تأسيس عمل جماعي مُنظم فهذا المقال قد يساعدكم.ن في تحقيق ذلك!
اكتبوا لنا إن كنتم تتفقون.ن أو تخالفون.ن، أو لديكم.ن ما تضيفون.تضفن لنغني تعلّمنا ولإفادة الآخرين من التجارب على الأرض.
في الحملات المبنية على نهج تنظيم المجتمع، الفريق المؤسس هو البنية الأولى في الحملة. هو فريق أغلبه/ن من أهل القضية (ليسوا/لسن خبراء.خبيرات ومستشارين.ات) يتراوح عددهم.ن من خمسة إلى عشرة أشخاص او أكثر بقليل بادروا.ن بتجميع أنفسهم.ن والتزموا.ن بالقضية فبدأوا.ن التفكير بتنظيم حملة تغيير في قضيتهم.ن. ويوصف هذا الفريق بكلمة “مؤسس” وليس بكلمة “أساسي”، حيث يؤسس الفريق هدف الحملة، واستراتيجيتها، ويؤسس كذلك فرقها التي تشكّل الشرايين الأساسية التي تمّد الحملة وتوصّلها لتحقيق أهدافها. فبعد أن يخوض هذا الفريق تجربتُه الخاصة في تشكيل نفسه، وتحديد هدف الحملة، وفهم الموضوع وبناء استراتيجية، وتوضيح هويّة الحملة، ينتقل لحشد أهل الموضوع(الذين يؤمنون بالقضية، وقدعانوا من ألمها ولديهم الشغف والأمل بالتغيير) وتشكيلهم في فرق لتوسيع قاعدة العمل. ويتابع بعد ذلك عمله في التنسيق بين الفرق ودعمها، ورفدها بالتمويل والإعلام ،وتيسير تعلّم أعضائها. يُغذي الفريق المؤسس بالأساس روح العمل والعلاقات بين كافة الفرق، ويجد آلية وطريقة للتواصل بينهم.
كل فريق من الفرق التي أسسها الفريق المؤسس تعد أساسية في الحملة. وبدون تأسيسها يتقلص او يتباطأ أو يتعطل العمل الجماعي لإنجاح القضية.
والجدير بالذكر أن تجربة الفريق المؤسس في البناء، والتمكين، والعمل، والالتزام، وتَمكنّه معرفياً حول القضية التي يناضل للتغيير من أجلها ، هي أحد النقاط المركزية لنجاح الحملات. من خلال مشوارنا في تدريب ودعم عدّة حملات كان واضحاً أن الضعف في الفريق المؤسس ينعكس على بقيّة الفرق، وتأخّر الفريق المؤسس يعني تأخر الحملة. و عدم التزام أعضاء الفريق المؤسس يعني خلخلة في كيان الحملة. وكان واضحاً أن إبداع الفريق المؤسس يكون مصدر إلهام وعدوى لتشجيعع الإبداع عند باقي الفرق. وان مصداقية وشفافية الفريق المؤسس يخلق مصداقية وشفافية في كل الفرق.
ملاحظة: نقول الفريق المؤسس وليس الأساسي، لكننا نعوّل عليه الكثير في البداية بالتهيئة وتركيز هوية الحملة وقواعد سلوكها ولكن نجاح الحملة لا يعتمد على الفريق المؤسس وحده بل بنجاح عمل الفرق الأخرى أيضاً.
سنُلخص هنا، مسؤوليات ومتطلبات عمل الفريق المؤسس في ثلاث مراحل في عمر الحملة مع مراعاة تغيير مسؤولية الفريق المؤسس بحسب مراحل الحملة:
❖ المرحلة الأولى: تثيبت الفريق المؤسس وبداية تشكيل الحملة
وهي المرحلة التي يجتمع فيها بضعة أشخاص من أهل القضية ويقررون البدء بعمل منظّم على الأرض يُحدث تغييراً إيجابياً في قضيتهم.
في هذه المرحلة على الفريق المؤسس مسؤولية فهم قضيته بجميع أبعادها وتوضيح التالي بالإجابة على:
وجهتنا: ماهو الهدف الواضح والمحدد والعملي لحملتنا؟
ماهي استراتيجية الحملة وفرضيتها في التغيير (مفتاح/مدخل النجاح) ؟
هيكلنا التنظيمي:ماهي بنية الحملة الضرورية لتحقيق استراتيجيتها؟ ماهي الفرق التي نحتاجها، وهل سنحشد أشخاص من مناطق معينة أو سنحشد فئات مجتمعية معينة، أوأننا سنحشد فرق تتبنى مهّام معينة؟بعض الحملات تبدأ بحشد فريق متطوعين، ولكن من المهم أن يكون الفريق المؤسس قد اتفق على مهّمات ومسؤليات فريق المتطوعين وحاجتنا لهم.
تشكيلنا: ما هي أدوارنا؟ من سيقوم بتيسير العمل؟ من سيكون مسؤولاً عن قاعدة البيانات ومن المسؤول عن الإعلام ومن المسؤول عن متابعة الأبحاث الخاصة بموضوع الحملة؟ من ينقصنا أيضاً في الفريق المؤسس؟ هل هنالك أشخاص نعتقد أن ضمهم للفريق المؤسس هام وأساسي؟ من هم ؟ لماذا نريد إضافتهم.
معرفتنا: ماهي الحقائق والإحصائيات التي تخص قضيتنا؟ تاريخها، حيثياتها، قانونيتها؟ ماهي أكثر الأسئلة الشائعة فيما يخص قضيتنا؟ سواء تلك التي نتساءل عنها نحن، أو التي توّجه لنا من قبل الناس والمهتمين بالقضية؟ كيف نجيب عليها؟
هويتنا:من نحن؟ وماهي قصصنا الشخصية المرتبطة في هذه القضية؟ بماذا نُطالب؟ وما هو بياننا أو خطابنا- ليس فقط بما يتعلق بمواقفنا اتجاه القضية بل كذلك فيما يخص قيمنا. ماهي أعرافنا كفريق فيما يخص كيف نجتمع ومتى وكيف نلتزم بالحضور وبإتمام مسؤولياتنا وأدوارنا؟
روح العمل وثقافته: الفريق المؤسس مسؤول عن القيم والثقافة العملية التي تتجسد في الحملة. وخلق روح قائمة على المحبة والاحترام وبناء علاقات قوية وليس فقط ضمن سياق العمل. مثلاً بعض الحملات تجسدّ أهمية روح العمل باجتماع شهري لكل أعضاء الحملة يتبادلون فيه أخبارهم الشخصية. وينتبه الفريق المؤسس إلى طاقة وروح العمل، فهم من يحفّز الطاقة الايجابية والتشجيع على العمل الجيّد والتحفيز للابداع. بالاضافة للتعامل مع التوترات والأزمات التي من الممكن أن تطرأ بين البعض في الحملة.
آلية العمل معاً: متى وأين وكيف نجتمع؟ كيف ندير أنفسنا ؟ الأدوار التي نوزعها على أنفسنا؟ ماهي ثقافة فريقنا: كيف نسائل ونُكاشف فيما بيننا؟ كيف ندعم بعضنا؟ كيف نأخذ القرارات؟ كيف نحصل على التمويل؟ سرية أو علنية ما نقوم به؟
بالإضافة للإجابة على المحاور المذكورة أعلاه قد ينخرط الفريق المؤسس بعمل على الأرض لتنظيم فعالية مُلحة أو إطلاق أولي لحملته أو التواصل مع جمعيات مناصرة أو حليفة.
والجدير بالذكر أنّ في هذه المرحلة يختبر أعضاء الفريق المؤسس مدى التزامهم وجديّتهم في بناء هوّية الحملة كي يستطيعوا الانتقال لحشد فرق الحملة أو تحريك وتنسيق المتطوعين في مهام تحقق الهدف.
❖ المرحلة الثانية: تشكيل فرق الحملة والانتشار
تشكيل وتثبيت الفرق: مسؤولية الفريق المؤسس في هذه المرحلة، هي حشد أشخاص وأعضاء لفرق حملتهم التي اتفقوا في المرحلة الأولى على تشكيلها. مسؤولية الحشد في هذه المرحلة تُعد من المسؤوليات الأساسية التي يتحمّلها الفريق المؤسس، فطريقة الحشد، والأشخاص الذين تم حشدهم هامة جداً لثبات الفرق وعملها. وبالتعاون مع الفرق الجديدة، تصبح مهمتهم تطوير فهم قيادة الحملة الموسعة للقضية وتطوير استراتيجية وفرضية التغييرالمبدئية للحملة مع الفرق القيادية الجديدة وبناء منحنى الحملة المتمثل بالقمم وبالفترة الزمنية و بدء تشكيل خطة العمل لكل فريق.
تأتي أهمية الفريق المؤسس من كونه المنسق للفرق الأخرى، فأعضاؤه هم منسّقو الفرق الأخرى. فمثلاً الفريق المؤسس لحملة أرفض شعبك بيحميك، أسس 4 فرق أخرى، فريق إعلام، فريق دعم رافضين، فريق تثبيت هوية وفريق تشبيك. لكل فريق من هذه الفرق منسق عضو في الفريق المؤسس. وبالتالي التنسيق من وإلي الفرق الأربعة والفريق المؤسس يحدث من خلال المنسقين.
تنفيذ الحملة: وفي هذه المرحلة تتمثل مسؤولية الفريق المؤسس في التنسيق والتواصل بين الفرق جميعها لتنفيذ قمم الحملة وتكتيكاتها وتطبيق خطة العمل وتطوير ومتابعة سجل النجاح. بالرغم من أنّ الحملة تكون قبل هذه المرحلة قد اتفقت على استراتيجية الحملة ومسيرتها إلا أن هذه المرحلة تعد بمثابة العمل الحقيقي على الأرض، واختبار الاستراتيجية عملياً. فربّما يحدث تفاعل غير محسوب اتجاه القضية يستدعي إعادة النظر في الاستراتيجية مما يستدعي بناء خطة جديدة او إحداث تغييرات طفيفة. أو ربّما تتعاطى المعارضة مع الحملة بطريقة تتطلّب قراراً استراتيجياً جوهرياً يغير مسار الحملة كلياً. بالتالي، ما نوّد أن نؤكد عليه، أن من مسؤولية الفريق المؤسس أن يبقى متيقظّاً إلى الأحداث الفعلية على الأرض وما تحتاجه من تغيير أو تطوير في العمل الاستراتيجي للحملة. مثلاً في حملة صار وقتها التي تهدف لتوفير التهيئة البيئية للطلاب ذوي الإعاقة في الجامعة الأردنية، كانت الحملة قد خططت لاستراتيجيتها بالبدء في قمتها الأولى بفعالية في الجامعة يوزعون فيها عريضة بمطالبهم على الطلاب والهيئة التدريسية، ثم يتوجهون لرئيس الجامعة لمطالبته بالموافقة على هذه المطالب وتحقيقها، ولكن شاءت الظروف أن يترتب لقاء الحملة مع الرئيس قبل الفعالية بيومين، والمفاجأة الثانية كانت بموافقة الرئيس على مطالبهم، بالتالي الاستراتيجية التي كانت مبنية على أساس الضغط على رئاسة الجامعة لم تعد فعّالة أو واقعية، فاحتاج هذا من الفريق المؤسس للحملة دعوة للقاء طارئ للاحتفال بموافقة الرئيس ولكن أيضاً لتغيير استراتيجية الحملة من الضغط الى مراقبة تحقيق المطالب وتفعيلها في كافة الكليات داخل الجامعة.
رفد الحملة وتنظيم مواردها: تثمثل مسؤولية الفريق المؤسس برصد الأموال والموارد وإدارتها إن احتاجت الحملة ذلك. وهناك أيضاً أهمية كبيرة في تصميم وتحديث قاعدة البيانات بأسماء وتفاصيل جميع الأشخاص المعنيين بالقضية من أعضاء الحملة، والمتطوعين، والمؤيدين لتسهيل تواصل الحملة مع قاعدتها الآخذة بالنمو ودعوتها للتصرف والتحرك بشكل محدد.
❖ المرحلة الثالثة : توسيع قاعدة الحملة القيادية- فرق الحملة الثالثة
ليس بالضرورة أن تصل كل حملة لهذه المرحلة، وقد تكتفي بتشكيل الفوج الأول، ولكن بعض الحملات تنتقل لتشكيل فوج ثانٍ وثالث من الفرق بحسب توسعهم وتكتيكاتهم. فمثلاً، يقوم فريق مدينة ما بتشكيل فرق أحياء إن احتاجوا ويُحافظ الفريق المؤسس على الصورة الكبرى للتوسع ويدعم الفرق التي انشأها بالمرحلة السابقة بتشكيل فرقه الجديدة والتنسيق بينها. بهذه المرحلة يستمر الفريق المؤسس بممارسة المسؤوليات نفسها، بالإضافة لبناء قدرات أعضاء الحملة والتعلّم الجماعي بما في ذلك التدريبات الضرورية وتطوير المهارات. فعملية التعلم مهمة ليكون الجميع على نفس الدرجة من التمكين والمعرفة، ومهمة بالدرجة الأولى للفريق المؤسس الذي يتعلم من كل عضو جديد وفريق جديد يحشده ويؤسسه، لأن كل عضو وكل فريق يجلب معه موارده ومعارفه التي تفيد الحملة وأشخاصها.
قبل أن ننهي الحديث عن مسؤوليات الفريق المؤسس، لابّد أن نتحدث عن دور الفريق المؤسس في اختتام الحملة. سواء كانت الحملة قد وصلت إلى قمّتها النهائية وحققت الهدف، أو قررت كمجموعة اختتام هذا الجهد والانتقال الى جهد آخر، بهدف جديد، يجب على الفريق المؤسس أن ينظّم لاجتماع أو جلسة اختتام واحتفال، يحتفلون بها بما انجزوا، ويشكرون جهد كل المنظمين، ويعلنون اختتام الحملة ورّبما البدء بنشاط جديد وبالتالي توجيه دعوة جديدة للراغبين بالبدء في المشوار الثاني.
.
وفي الختام، ننوّه أن الفريق المؤسس
مثله مثل أي فريق عملتم به. هنالك ظروف تهيء عمله ونجاحه. تستطيعون قراءة المزيد عن هذه الظروف والممارسات هنا. وللفريق المؤسس مثله مثل باقي الفرق، منسقٌ قد يكون هو الشخص الذي بدأ فكرة الحملة، أو ربّما هو شخص انتقته المجموعة ليكون منسّقا لهم وللحملة. ودور مُنسق الحملة هام جداً وأساسي. فهّو المحرّك والمنظّم لروح العمل والإنجاز في الحملة. وسنتحدث مفصلاً عن دور منسق الحملة في مقال قادم.
أخيراً، نُحب أن نتعلّم من تجربتكم.ن كمنظمين.ات وناشطين.ات، شاركونا عن تجربتكم.ن في تشكيل الفريق المؤسس للحملة، واستدامة همّته؟ وماهي بعض الدروس المستفادة، وكيف تعاملتم.ن مع التوترات التي واجهتكم.ن في الفريق المؤسس؟ وكيف تعاملتم.ن مع النجاحات؟