Slide

إضاءة بقلم فرح هلسا، مديرة قسم تمكين الحملات

كيف طبّقنا منهجية التعلّم الشعبي لباولو فريري في حملتين عام 2024؟

خلفيّة عن مفهوم التعلّم الشعبي وسبب العودة لتطبيقهُ في مؤسسة “أهل”

منهجية التعلّم الشعبي، كما قدّمها باولو فريري، هي أداة تحررية تهدف إلى تمكين الأفراد المقموعين من قيادة مسار تحررهم بأنفسهم، بعيدًا عن الاعتماد على “مخلّص”. التعليم في جوهره، وفق هذا النهج، ليس مجرد نقل معرفة من سلطة إلى متلقٍ، بل هو عملية تفاعلية تقوم على الحوار والمشاركة الفعّالة. في هذه العملية، يُبنى وعي جماعي جديد عبر مشاركة التجارب الذاتية للمشاركين.ات حول مفاهيم مرتبطة بالاضطهاد، ما يبني صياغة فهم مشترك والتزام فردي، الذي قد يبدأ بخطوات بسيطة فحسب. تمكّن هذه المنهجية المجتمعات من التحرّك نحو تنظيم أقوى وتغيير مستدام.

التعلّم الشعبي والمعلّمات:

في نهاية عام 2023، نشرنا دراسة حالة حول حملة “قم مع المعلم” بعد مرور ثماني سنوات على انطلاقتها، بهدف تقديم رؤية شاملة لرحلتها، بما في ذلك نقاط القوة وفرص التطوير. أعدّت الدراسة الباحثة راما سبانخ، وأوصت بضرورة التركيز على بناء مجموعات من المعلمات داخل المدارس، بدلًا من الاعتماد على معلمة واحدة من كل مدرسة. استجابت نور الديسي من فريق الممكنين في “أهل” لهذه التوصية، عبر تمكين الحملة في عام 2024 باستخدام منهجية التعلّم الشعبي التي تبنّتها “أهل” منذ عام 2017، وطوّرتها لتتوافق مع مبادئ التنظيم المجتمعي.

شُكّلت نواة من 12 معلمة، عملت كل معلمتين من النواة على حشد فريق يضم ثلاث معلمات أو أكثر من المدرسة نفسها. خاضت هذه الفرق مسارًا تعليميًا استمر خمسة أشهر، أثمر تكوين مجموعات موحدة داخل المدارس، التي بدأت بدورها تحقيق نجاحات تمثّل كتلة مؤثرة للمعلمات، ولو كانت بسيطة في البداية.

إحدى المعلمات القياديات ماجدة النويري، شاركت تجربتها قائلة: “كان لدي خوف وتردد في المواجهة عندما كنت أواجه شيئًا لا يعجبني، لكنني أصبحت أقوى وأكثر قدرة على التعبير عن رأيي، وأصبحت متأكدة أن هناك دائمًا من يمكنه الوقوف معي.”

 

https://ahel.org/wp-content/uploads/2025/01/التعلم-الشعبي-إضاءةذاخلي_0001_٢.jpg
https://ahel.org/wp-content/uploads/2025/01/التعلم-الشعبي-إضاءةذاخلي_0000_١.jpg

التعلّم الشعبي وعاملات الزراعة:

تُعد حملة “قوتنا بجمعتنا” لعاملات الزراعة، بقيادة فرح هلسا، مثالاً مميزًا في عام 2024 على تطبيق منهجية التعلّم الشعبي لبناء قوة أهل القضية، قبل الانخراط في نضالات كبرى تتطلب بنية تنظيمية قوية. بدأت الحملة برحلة تعلم شعبي استمرت ستة أشهر، انطلقت بتشكيل نواة من 10 عاملات في الزراعة، من 5 مناطق مختلفة. عملت كل عاملتين على حشد فريق يضم 7 عاملات من زميلاتهن، وشاركت هذه الفرق معًا 7 جلسات تناولت موضوعات مثل التسلط، السلطة، العدالة، والعمل الجماعي.

في الجلسات الأخيرة، ركزت العاملات على استثمار تجاربهن الذاتية في رفض الظلم والمطالبة بالحقوق، فتبادلن الأدوات والآليات التي استخدمنها لتحقيق مطالبهن. من خلال هذه التجارب، وُثّقت ممارسات فعّالة شكّلت موردًا أساسيًا لدعم حملتهن. وفي خطوة تاريخية، وقّعت العاملات “عهد ممارسات داعمة”، تعبيرًا عن التزامهن بالقيم التي تعلّمنها وتطبيقها عمليًا.

بعد انتهاء مرحلة التعلّم الشعبي، أطلقت العاملات حملتهن التغييرية الأولى، التي ركزت على توفير أدوات الصحة والسلامة الشخصية في 7 مزارع. تضمنت الحملة تكتيكات تنظيمية بدأت بتثقيف العاملات حول حقوقهن، مرورًا بتحفيزهن على المطالبة الجماعية، وصولًا إلى تقديم المطالب مباشرة لأصحاب المزارع. حققت الحملة نجاحًا لافتًا، إذ استجابت 11 مزرعة لمطالبهن ووفرت لهن أدوات الصحة والسلامة.

تشكّل هذه الحملة أساسًا لبناء المزيد من الحملات التغييرية في المستقبل، ما يعزز الاستدامة التنظيمية ويخلق حركة مستمرة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية للعاملات.

فخورة برحلة التعلّم الشعبي مع العاملات، ليس فقط لتحركاتهن تجاه بناء قوة ناسهن، ولكن أيضًا لوجود مساحة عمّقت مفاهيم قد ترّسبت في بالي منذ الصغر عن التسلط، ووضعتني على المحك في التزامي تجاه المجموعة بأخذ تصرّف تغييري بصفتي جزءًا من هذه المجموعة. وأرى الآن أن هذه ثورة حقيقية في كسر قيود تكبّلنا وتمنعنا فعلًا من أن نتحرر من التسلّط بأي وجه كان.

 

https://ahel.org/wp-content/uploads/2025/01/التعلم-الشعبي-إضاءةذاخلي_0002_٣.jpg
https://ahel.org/wp-content/uploads/2025/01/التعلم-الشعبي-إضاءةذاخلي_0003_٤.jpg

لماذا نُعدّ استخدام التعلّم الشعبي بالحملتين في عام 2024 نجاحًا تنيظميًا فارقًا؟

  1. خلق عادة لممارسات حوار تشاركي واستماع والتزام تجاه المجموعة: من خلال هذا المسار، نشأت ثقافة الحوار المستمر بين المعلمات، ما عزز تواصل الأفكار وفتح قنوات النقاش البنّاء.
  2. تعزيز العلاقات القِيَميّة: من خلال التفاعل المشترك بين المعلمات والعاملات، نشأت علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتفاهم العميق، ما عزز القيم المجتمعية والتعاون.
  3. تحرير الفعل التغييري – ولو على مستوى فردي وبسيط -: نتيجة لمسار التمكين الذي شاركت فيه المعلمات، بدأت كل منهن في تبني أفعال صغيرة تؤثر في ممارساتهن اليومية، ما عكس التغيير التدريجي نحو ممارسات أكثر استقلالية وأكثر وعيًا.
  4. نمو إدراك الفرد للحقوق والحريات والقيم: خلال هذه التجربة، تطوّر الوعي الفردي بالقضايا الحقوقية والاجتماعية لدى المشاركات، إذ بدأت المعلمات في إدراك حقوقهن والعمل على تحقيقها ضمن بيئة تعليمية.
  5. حشد مزيد من أهل القضية عبر عمل تشاركي بسيط: هذه التجربة فتحت الباب لحشد مزيد من المعلمات من المدارس المختلفة، دون الشعور بتهديد أو صعوبة، إذ كان المسار مبنيًا على البساطة والسهولة في التفاعل والمشاركة.

في ضوء هذه النتائج، يعتبر هذا المسار نجاحًا تنظيميًا لأنه يتضمن تعزيز التفاعل المجتمعي، والبناء على القيم الأساسية، وتمكين الأفراد من تبنّي ممارسات تغييرية تؤدي إلى تعزيز ليس فقط الوعي الجماعي فحسب، وإنما الإعداد نحو مزيد مع عمل تشاركي تغييري بقيادة أهل القضية الأكثر تأثّرًا بغياب الحق في قضيتهم.