كلمة قُدمت في ملتقى المعرفة للمجتمع المدني
١٣ أيار ٢٠١٨
صباح الخير جميعاً وشكراً لملتقى المعرفة على الاستضافة.
اسمي نسرين الحاج أحمد وأقود مؤسسة أهل التي تهدف لتمكين القيادة الجماعية وتمكين الحملات القاعدية والحركات الاجتماعية. نستخدم القصة العامة كأحد العناصر الأساسية الستة في نهج عملنا واستخدمناها خلال الثمانية سنوات في حملات وحركات مختلفة. استخدمناها لغايات مختلفة أشارككم ثلاث منها ومن ثم أخبركم عن شكل ومكونات القصة العامة التي نستخدمها لأنها ليست القصة بالشكل التقليدي الذي تعرفونه.
أبدأ بالقول أننا لا نستخدم القصة كأسلوب تواصل ولا نستخدمها كأسلوب خطاب عام فقط. استخدم القصة العامة في التغيير الاجتماعي والسياسي لبناء قيادتي وقيادة الآخر، لأطور هوية مجتمعي، ولأدعو للتحرك.
أولاً كأداة لبناء وتنمية القيادة. كيف؟ فكروا الآن بلحظة بداية عملكم العام. متى ولماذا؟ ما هي القصة؟ هل كنت بالمدرسة او الجامعة او بالكشاف أومتطوع . كذلك فكروا بالقصص التي حصلت معكم خلال نشأتكم أيها أدى بكم اليوم لتكونوا متحركين لقضاياكم؟ ربما تتذكر لحظة مع والدك أو والدتك أو لحظة بالحي . فكلنا هنا ناشطون بالعمل العام والسؤال: لماذا؟ لماذا أنت/ أنتِ تحديداً؟ لماذا نعتبر الموضوع شخصياً؟ الفائدة الأولى للقصة العامة تكمن في معرفتنا لحافزنا الداخلي ومعرفة وجهتنا فنخلص ونتسق مع دافعنا الداخلي . وفي هذا تمكين لقيادتنا.
ولا يكتفي القائد الجيد باستكشاف قصته الشخصية وتحديد بوصلته القيمه ، بل يستخدم القصة العامة في تفعيل قيادة الآخرين ويساهم في فهمهم لذاتهم. ، فيستثمر الوقت في سؤال الآخرين عن قصتهم ويستمع لهم ليساعدهم في رؤية وفي رواية قصتهم الشخصية وفي هذا تحفيز لفاعليتهم واستحضار لقيمهم. إذاً – تمكين قيادة الذات وقيادة الأخرين هو الهدف الأول من القصة العامة.
ربما لاحظتم على أنفسكم أو على الاخرين أننا أحيانا ومع الزمن نعيد رواية ذات القصة التي حدثنا معنا ولكن بطريقة مختلفة. فأروي قصة مهمة حدثت معي بطريقة مختلفة عن كيف رويتها قبل ثلاث سنوات. وهذه ممارسة طبيعية فنحن لا نكذب بل نرى القصة بمنظور جديد. منظور اكتسبناه مع الخبرة أو أقلمناه مع حيثيات وظروف اليوم. وهذه ممارسة مهمة لأنها تُمكنا من التأقلم والتغير لنطور شخصيتنا ونتعاطى مع الظروف الحالية. وفي هذا أهمية ليس على الصعيد الشخصي فحسب بل أيضاً على صعيد المجتمع. لنفكر … كيف يروي مجتمعنا قصته والتحرش الجنسي مثلاً؟ هل نروي القصة اليوم تماماً كما رويناها قبل ٣ سنوات او ٧ سنوات؟ فقصة مجتمعنا والتحرش الجنسي تغيرت . وهنا سؤالين. الأول: من يرويها؟ والثاني: كيف أروي قصة المجتمع والتحرش الجنسي؟ هل هي قصة نخوة وحماية عشائر لبناتهم؟ هل هي قصة مجتمع يحافظ على بناته بتقييد الخروج من المنزل؟ هل هي قصة مجتمع هبّ غضباً على محمود الخرابشة؟ أم هو مجتمع صامت على التحرش – بالأولاد والشباب؟ ما هي المشاهد والروايات التي تشكل فهمنا المجتمعي لموضوع التحرش الجنسي ومكافحته. ما هي القصص التي سأرويها حول التحرش لأساهم في تشكيل فهم جمعي يفتح مساحة للتغيير؟
وهذه هي الفائدة الثانية لاستخدام القصة العامة وهي تشكيل وتأطير الفهم الجماعي وتمكين المجتمع من التأقلم والتغيير. فيروي القائد قصة مجتمعه الصغير او الكبير معززاً قيمه وكذلك مطوراً فيه بعض القيم والمفاهيم وذلك لتمكينه من التعاطي والتأقلم مع تحدي ما. يروي القصة في لقاءات شخصية ولقاءات عائلية ولقاءات منزلية وكذلك على منصات أوسع.
أما الغاية الثالثة للقصة فتكمن في الدعوة للتحرك ولتفعيل الناس للتصرف والمساهمة في احداث تغيير. والدعوة للتحرك لا تقتصر بعرض التحرك الذي ادعوكم للانضمام لي بالقيام به. بل تشمل القصص التي تشكل الحاحاً اليومياً وتوضح ثمن عدم التصرف كما تشمل القصص التي تعطينا الأمل إن تحسن الحال كما نريد. فنعرض فكرتنا لإحداث التغيير ومن ثم نطلب من الناس الانضمام لنا بالتحرك. فلا يكفي مثلاً ان أقول انضموا لي في مخاطبة الشرطة لتغيير اجراءاتهم لتتمكن الناس من اللجوء إليهم في حالة التحرش. بل أضيف اننا إن لم نتحرك سيبقى ذلك الولد بالصف الرابع الذي يتم التحرش به بالمدرسة من قبل الطلاب الأكبر ولا يستطيع الشكوى لأهله معتقداً أن الذنب ذنبه. كما نضيف قصة تعطينا الأمل إن تحركنا مثل ذلك الأب الذي علم عن موظف الدكان الذي تحرش بإبنه وطلب من الشرطة جلب تسجيلات الكاميرا واصر على اعلام أهالي كل الاولاد الاخرين الذي تم التحرش بهم ومحاسبة الموظف الذي فار هارباً . وبعد خلق الالحاح والأمل أدعو الناس للانضمام بتحرك محدد. فلا أدعوهم لأخذ موقف واضح ضد التحرش فقط، بل أقول انضموا لي في تمام الساعة الرابعة عصر الخميس القادم، رتبنا لقاء لأهل الحي مع الشرطة للحديث في اجراءاتهم.
هي ليست حدوتة أو دردشة ، فالقصة العامة من أجل التغيير يجب ان تحوي ثلاث عناصر لتحقق الغايات التي ذكرتها: العنصر الأول هو قصتي أنا الشخصية وفيها أشارك مشاهد من حياتي تربطني بالقضية وبالقيادة والثانية قصتنا نحن كمجتمع تحوي ذكريات جماعية وقرارات جماعية متعلقة بقيمنا والقيم التي نطمح لها بما يتعلق بقضية ما وثالثاً قصتنا الآن والدعوة للتحرك المرتبطة بإلحاح وكذلك أمل.
وأخيراً أوضح أنني إن لم أقل قصتي الشخصية، سيرويها أو يؤلفها بالنيابة عني الآخرين. وإن رويت قصتي الشخصية لوحدها سأكون شئت أم أبيت أروّج لفكرة القائد الأوحد المُلهم صاحب الكاريزما، وإن سردت قصتي وقصة مجتمعي دون أن أسرد قصة الآن أخسر فرصة لدعوة الناس للتحرك.
هي ثلاث قصص منسوجة ببعضها البعض ليس كأداة تزيين خطاب بل لإخراج الوهج الداخلي من داخلنا ومن داخل مجتمعنا لبناء القيادة والتصرف نحو التغيير.