المحطة الأول

كيف نصمم الانطلاق؟

بقلم: ريم منّاع

٢٠١٣

شهدتُ خلال الشهر الماضي إطلاق حملتين حول ذات الموضوع: الحق في إعطاء الجنسية . الإطلاق الأوّل كان لحملة “أمي أردنية وجنسيتها حق لي” في الأردن، والإطلاق الثاني لحملة “حب في زمن الأبرتهايد” في فلسطين. واقعان مختلفان تماماً وحيثياث مختلفة كذلك. في هذا التأمل القصير لا أكتب عن الموضوع ومضمونه- أي الحق بالجنسية- بل أشارك تعلّمي حول تصميم المنُظّمين لفعاليّة الإطلاق وتنفيذهم لها كونها محطة مهمة في حياة الحملة. ففي نظري لكل واحدة من هاتين الإطلاقتين٫ أُسلط الضوء على جانب إيجابي يُحتذى به وأتساءل عن تحدّي متعلق بالانطلاقة يستحق التوقف عنده.

وجدت نفسي في إطلاق الحملة الأولى – أمي أردنية وجنسيتها حق لي – في قاعة فندق أربع نجوم في مؤتمر للإطلاق يحضره ٢٠ شخص من قيادة الحملة وربما ٣٠ آخرين من مؤيدي الحملة والمؤسسات المدنية وبعض المتضررين. وكان هنالك ثلاثة أو أربعة إعلاميين سواء من الإعلام المرئي أو الإعلام المكتوب. عرضت عريفة الحفل خلفيّة الموضوع وكيف لا تستطيع المرأة الاردنية أن تمنح جنسيتها الأردنية لزوجها وأطفالها في حين يستطيع الرجل المتزوج من غير أردنية ان يقوم بذلك.

ثم عرضت منسقة الحملة الائتلافية نبذة عن الحملة وقامت بتقديم أعضاء الائتلاف والمُمثلين لمؤسسات حقوقية ومدنية ومحامين وصحفيين وناشطين.وأخبرتنا عن هدفهم وكيف تجمعوا مستثمرين ومكملين لحملة “أمي أردنية وجنسيتها حق لي”. ثم عرض الخبير القانوني كل الحيثيات القانونية وكان عرضه رائعاً ومُفيداً جداً وتلازم مع العرض توزيع ورقة حقائق والتي لم تكتفِ بعرض الوضع القانوني بل استعرضت كذلك تداعيات السياسة التي لا تمنح الزوج والأولاد الجنسية وكيف تؤثر على تعليمهم وحصولهم على رخص سواقة وحصولهم على عمل.

وأنهى المحامي العرض بالتطرق لاستراتيجية التغيير الذي ستتبعها الحملة ومحاورها الثلاثة. ورأيت في ذلك وضوح الرؤية وإلمام قيادة الحملة بالموضوع. من ثم عرضت الحملة فيلم صغير لقصص الأبناء غير الحاصلين على الجنسية ومشاعرهم والتحديات التي يواجهونها. وفُتح باب الحوار حين أصبح واضحاً أن كل الحضور مؤيدون للحملة فكل منهم شارك بحجة إضافية توضح قوة مطالب الحملة. وبعدها بدأ الحوار يتشعب وسرعان ما ظهر التساؤل عن شكل الإطلاقة “أين القاعدة الشعبية من هذه الإطلاقة؟” “أين هم أهل القضية” وما إلى ذلك من تحفظات على الإطلاقة المُنفصلة عن الأرض. وكذلك كان هنالك تساؤل عن أصحاب القرار والمعارضة أين هم من إطلاقتنا وتطرقت قيادة الحملة لبرنامج تواصل مباشر ستقوم به لاحقاً مع البرلمانيين والحكومة. وفي اليوم الثاني صدرت تغطية صحفية قوية عن الحملة في الصُحف وفي الأخبار المرئية والمسموعة. وأتت التغطية لتوضح الموضوع ولتعلن عن الحملة فتعطي قيادتها المزيد من المصداقية وتضعها بموقع مسؤولية. علماً بان الصحافة لم تخلُ من كتابات أصوات معارضة لإعطاء المرأة الجنسية لأولادها وزوجها.

بعد أسابيع قليلة، وجدت نفسي أشاهد إطلاقة الحملة الثانية. والتي تتحدى السياسات العنصرية التي تمنع منح الفلسطينيين لمّ الشمل في حال ارتبطوا بأزواج وزوجات في الأراضي الفلسطينية التي احتُلّت عام ١٩٤٨. لم تكن فعالية إطلاق الحملة بفندق ولم يكن فيها خطابات أو أوراق معرفيّة أو توضيح للحملة واستراتيجيتها فلم تكن حيثيات الموضوع أو الجانب القانوني أو أثر السياسات واضحة للعلن. كانت فعالية الإطلاق على الأرض- في الشارع أمام الجدار العنصري. فانضم ما يزيد عن مئة شخص من القاعدة الشعبية- كما بدأوا بإطلاق الحملة المذكورة أعلاه- ليشاركوا بزواج افتراضي.

أتت العروس من أراضي ال ٤٨ وأتى العريس من أراضي ال٦٧ وأهلهم معهم ليلتقوا عند الحاجز والجدار الذي منعهم من الوصول لبعضهم البعض. فاعترضهم مُمثل الاحتلال مضيفاً لأغانيهم قنابل صوت وقنابل مسيلة للدموع، فرّقهم واحتجز بعضهم، وأنهى فعالية الإطلاق. وفي ذات اليوم وفي الأيام التالية حصلت الحملة على حجم تغطية إعلامية كبير سواء في الفضاء الإلكتروني أو التقليدي. لأنها لم تكن مُجرد لقاء في قاعة فندق ولأنها صٌممت لتُمثل إحدى صور الحقيقة وكانت خلاّقة ومتجددة. ولكن التغطية الإعلامية في أغلبها مع بعض الاستثناءات القليلة لم تتعرض لهدف الحملة المُحدد وهو إلغاء القانون االمؤقت الذي يمنع لمّ الشمل والتي تسعى الحملة لالغائه . ولم تتعرض التغطية لتعريف من هم قادة الحملة وعنوانها. بل ركزوا على فكرة الجدار الذي يفصل بين زوجين وبدا الأمر كأنه فعالية وليست حملة. تقوم الحملة الآن بتوضيح من يقودها والإعلان على هدفها المحدد وتداعيات السياسة العنصرية على كل أطياف المجتمع المتأثر بما في ذلك الأطفال.

أردت أن أكتب عن هذه المُفارقة وذلك لكي أعي ونعي لبعض الأمور ونحن نُحضر لإطلاق حملاتنا. فمن الضروري أن تكون الإطلاقة مشاركة الناس على الأرض في مكان يتسّع لكل مهتّم/ة ويشرك مجموعة متنوعة بالإضافة طبعاً للأشخاص القائمين على الحملة. وأن تُصمم الفعالية بتفكر بحيث ترتبط بالموضوع وتجسده بصورة واضحة وخلاّقة لتخرج من مساحة وقفة اعتصامية واجتماع بقاعة مؤتمرات وهو ما جرى العُرف عليه. ولكن بذات الوقت من المهم أن لا تُنسينا الانطلاقة وبالذات إن كان فيها نوع من المواجهة وعلى الأرض أن نقوم باللازم وربما المزيد لنُعرّف عن الحملة وقيادتها وهدفها واستراتيجية عملها، ونوضح كيف من الممكن للمهتمين/ات أن يساهموا  في دعمها عملياً. وفي جميع الأحوال يجب ان نكون مستعدين/ات ببرنامج إعلام جديد مُنسق لاعشوائي نطلقه باليوم التالي إن كان لحملتنا هوية في الفضاء الإلكتروني.

وفي كلتا الحالتين، وجدت نفسي أتشوق لمعرفة محطة الحملة القادمة وتاريخها وشكلها وكيف ستضغط لتغيير القانون لكي أنضم لها وأساندها ليس فقط بقناعتي بل وكذلك بالالتزام والتصرف.

https://ahel.org/wp-content/uploads/2021/02/KayfButton100bigger.png