في المقال السابق، تطرقنا في «محطة كيف» إلى أساليب تحضير الحملات المجتمعية للقاء صاحبـ/ـة قرار ذو قدرة على تحقيق أحد أهداف الحملة التغيرية والاستراتيجية – سواء كانت تسعى نحو تغيير في السياسات أم تفعيل وتنفيذ لسياسات وأدوات رقابية تهم أهل القضية. قدمنا في المقال المذكور خمس خطوات تمهيدية تُعنى بالمرحلة الاستباقية للقاء — كيف نُحضّر أنفسنا؟ كيف نحجز الموعد؟ ماذا نقول؟ ماذا نفعل؟ أجبنا على هذه التساؤلات الشائعة لدى الناشطين/ات.
نود تذكيركم، قرائنا الأعزاء من القياديين والقياديات، ببعض الملاحظات التي ذكرناها في المقال السابق عن التجهيز لمجريات المفاوضات، ومنها تحضير ورقة حقائق تجمع كل الأرقام والمعلومات وابقاء نسخة منها في حوزة الممثلين/ـات أثناء اللقاء للإشارة إلى رقم أو دراسة ما في حال شُكك في معرفة الحملة بالقضية وتاريخها. كما واقترحنا الاتفاق على توزيع أدوار الحديث بين ممثلين/ـات الحملة وتوقيت كل فقرة من الأجندة المُعدّة لهذا اللقاء، بالإضافة إلى إشارات كلامية محددة تُنذر بفتح المجال أمام الشخص التالي لأخذ المحادثة أو إنهاء اللقاء أو تحدد آلية أخد القرارات السريعة. كما ورسمنا بعضاً من السيناريوهات والردود في حال قرر/ت المسؤولـ/ـة تأجيل اللقاء أو جعله مع شخص آخر.
ها قد حلّ اليوم المنتظر؛ بعد اجتماع الحملة لتحديد مخرجها المرجو من الاجتماع مع صاحبـ/ـة القرار وإجراء الأبحاث المطلوبة ورسم الأجندة والاتفاق على أدوار أهل القضية داخل وخارج غرفة اللقاء وتحديد الموعد، تتوجه الحملة إلى اللقاء.
في هذا المقال، نقترح ثماني سيناريوهات متوقعة لمجرى اللقاء، تستفيد منها الحملات المجتمعية باستباق ردود شائعة لدى أصحاب القرار وكيفية التعامل معهم أثناء اللقاء وبعده — جمعنا هذه التوصيات من تجارب حملات تنظيم مجتمعي رافقتها مؤسسة «أهل».
السيناريو الأول: التنصل من المسؤولية
قد يـ/تتنصل صاحبـ/ـة القرار من المسؤولية ويـ/تحولها إلى طرف آخر ويـ/تصور مؤسستهـ/ـا كمجرد وسيط أو حلقة وصل لتجنب الالتزام قائلاً عبارات على شاكلة “هذه مسؤولية الجمعية أو الوزارة تلك وليس مسؤوليتنا”. نقترح تجنب الاتفاق مع صاحبـ/ـة القرار على تحميل جهات أُخرى المسؤولية -خاصةً بعد بحثكم المضني الذي حدد مسؤولية الجهة التي توجهتم إليها بالفعل- ونقترح الابتعاد أيضاً عن القول إنكم ستلتقون مع الجهات التي ذكرها/تها المسؤولـ/ـة مما قد يظهر أنّكم تطرقون كافة الأبواب دون تركيز محدد أو الرد على هذا المقترح من المسؤولـ/ـة بسؤال عن هوية الأشخاص الآخرين وكيفية الوصول إليهم والذي يشير إلى نوع من التشتت في تكتيكات الحملة.
التصرف الموصى به: قدموا حججاً منطقية، مُستخرجة من البحث الذي اجريتموه مع أصحاب اختصاص ولاعبين أساسين حول أدوار ومسؤوليات كل جهة، توضح لماذا يتحمل صاحب القرار المسؤولية. قد يكون من المفيد أيضاً اصطحاب شخصاً ذو اختصاص إلى هذا اللقاء، كما وننصح بالتركيز على مفهوم المسؤولية العامة بدلاً من تفاصيل/فتات المسؤولية الذي قد يوّزع هنا وهناك على هذا أو ذاك.
السيناريو الثاني: توجيه الحملة لتحجيم مطلبها
قد يـ/تـقترح صاحبـ/ـة القرار حلولاً أخرى أو يـ/تنصح الحملة بتوجيه تركيزهم نحو مطلب آخر (عادةً ذو تأثير أقل على واقع أهل القضية) وقد يـ/تشير أيضاً إلى تفاصيل عمل المؤسسة وطول الإجراءات وتقييدات الموازنة أثناء قول شيء مثل: “هل تريدون نتيجة أم تودون خوض قتال؟” أو “لماذا لا تبدأوا بهذا أولاً؟” “لو أنني في مكانكم سأركز على هذه الجزئية نظراً للأزمة هذه وللميزانية تلك”. ننصح بتجنب قبول أي فكرة جديدة دون استشارة فريقكم أولاً إذا قد يظهركم التصرف والقبول المتسرع وكأنكم أصحاب قرار بشأن الحملة ويخفف من وقع حجم القاعدة الشعبية أو هيكل التنظيم المجتمعي الممتد.
التصرف الموصى به: اشكروا صاحبـ/ـة القرار على الاقتراح وأكدوا أنكم ستعودون لفريقكم لمراجعته ضمن استراتيجية الحملة، ولكن شددوا على أهمية مطلبكم الاستراتيجي الحالي، المحق والعادل، وأولوية تلقي تجاوبهـ/ـا بشأنه.
السيناريو الثالث: التأجيل نحو المجهول أو «التسويف»
قد يـ/تـرد صاحبـ/ـة القرار على مطلب الحملة بوعود مبنيّة على مستقبل مجهول غير محدد المدّة، “سوف أدرس هذا الموضوع مع فريقي”، “سأفعل هذا الأمر إن شاء الله”، “سأتواصل معكم حالما نتباحث في مطلبكم”. قد يـ/تلجأ أصحاب القرار إلى تعقيد الخطوات وإدخال جهات أُخرى في عملية التغيير المطلبي “سأشكل لجنة للتحقيق في الموضوع”، “سوف ألتقي مع الجهة الفلانية وأطرح رأيكم”. ننصح بعدم الانجرار وراء هذه الوعود والبدء بتقديم الشكر وانتظار مبادرة صاحبـ/ـة القرار بالتواصل مع الحملة حالما تنتهي هذه الإجراءات المطروحة.
التصرف الموصى به: حاولوا وضع سقف زمني محدد لهذه الوعود وربط ذلك بحدث علني مهم، مثل: “لدينا مؤتمر إعلامي بعد ثلاثة أسابيع وسنحتاج للإعلان عن التقدم في القضية والإجراءات التي فعلتموها”.
السيناريو الرابع: الرفض أو عدم الاستجابة مع المطلب
قد يـ/تـقرر صاحبـ/ـة القرار رفض الاستجابة مع مطالب الحملة لأسباب متنوعة، منها ما يتعلق بالسياسات العامة والأعراف، وكذلك أحياناً لأسباب شخصية لا يمكننا تنبؤها. لا نفضّل التودد والتوسل للحصول على استجابة، كذلك من غير المجدي الانجرار وراء الغضب واللوم والانفعال خلال اللقاء.
التصرف الموصى به: أبدوا أسفكم لرفض صاحب القرار وأوضحوا أنكم ستضطرون لإبلاغ الإعلام وأهل القضية بتفاصيل الاستجابة الحالية، واتركوا الباب مفتوحاً للتواصل في حال غير/ت رأيهـ/ـا.
السيناريو الخامس: تأييد الحملة ومناصرة قضيتها
في حالات كثيرة، قد يـ/تبدي صاحبـ/ـة القرار استعدادها لدعم الحملة في مطلبهم ويـ/تؤكد على شرعيته وأولويته وأهميته، ويـ/تعبّر كذلك عن استياء في النهج العام في التعامل مع واقع أهل القضية. قد يـ/تقول شيئاً مثل “لا يجب أن نسكت عن الوضع هذا”، “لا يمكننا أن نرضى بالسياسة هذه”، “يجب أن نرفع هذه القضية لأعلى درجات القرار والسلطة”… وعبارات أُخرى تبدو في ظاهرها إيجابية ومحفّزة للتغيير ولكنها في واقعها لا تحمل أي بعد تغييري حقيقي وتكسب ود الحملة وأهل القضية دون أي خطوات أو التزامات واضحة لتغيير واقعهم. نوصي بتوخي الحذر وعدم التسرّع بالشكر والثناء المبالغ فيه، فهذه إحدى الطرق التي يصطف بها أصحاب القرار مع أهل القضية للخروج بصورة إعلامية جيدة دون العمل الجاد تجاه المطلب.
التصرف الموصى به: اشكروا صاحب القرار بعبارات واضحة “شكراً لك على رؤية أحقية وعدالة مطلبنا”، ثم قوموا بتحديد آلية تطبيق واقعية مع تواريخ محددة معلنين عنهم لأهل القضية والإعلام للتعزيز من حس صاحبـ/ـة القرار بالمسؤولية والعجلة. اطلبوا تأكيداً عن كيفية الإعلان عن الموافقة وشددوا على أهمية ظهور الحملة في الإعلان، وكتابة بيان صحفي مشترك يعزز من قوة أهل القضية الذين يناضلون نحو هذه القضية.
السيناريو السادس: التشتت والإلهاء والمقاطعة
أحياناً قد يـ/تلجأ صاحبـ/ـة القرار إلى استقبال المقاطعات للاجتماع والمهاتفات، أو بالحديث باستفاضة واسترسال عن قصص وأو عن الموضوع بشكل عام أو حتى عن مواضيع جانبية لا تصب في صلب الهدف من اللقاء أو المطلب التغيري الاستراتيجي، ومن بعدها التحجج بقصر وقت الاجتماع وتأجيل الاستجابة ليوم آخر. هذا التصرف يعكس أنّ الممثلين/ات عن الحملة سلّموا مهمة تيسير اللقاء والمواضيع على الأجندة إلى صاحبـ/ـة القرار، دون الأخذ بزمام الاجتماع.
التصرف الموصى به: مقاطعة صاحبـ/ـة القرار بلطف وإعادة الحديث إلى النقاط التي اتفقت عليها الحملة لأجندة هذا اللقاء، يمكننا قول شيء مثل “نعلم أن وقت حضرتكم ضيق ونحن أيضاً لدينا مساحة مدتها ساعة لهذا الاجتماع، سأعيدك إلى الموضوع الذي جئنا للقائك بشأنه وهو [المُخرج الاجتماع المرجو]…”.
السيناريو السابع: جلب الاستعطاف والشفقة
في حالات معيّنة، قد يـ/تحاول صاحبـ/ـة القرار عرض تعقيدات طويلة وصعوبات جمّة تتعلق بتحقيق المطلب المرجو منهـ/ـا، ومنها التحجج بالميزانيات والصعوبات المالية أو قلة الموارد والحيلة، أو الإشارة إلى عدم وجود نص قانوني واضح يسيّر التغيير بالسياسات المطلوب؛ “والله تعلمون وضع البلد، ليس لدينا الأداة هذه أو الميزانية تلك”. نقترح الابتعاد عن الشعور بالإحراج وتفهّم الوضع الصعب، والالتزام بالمطلب المرجو.
التصرف الموصى به: أكدوا على الصعوبات التي يواجهها أهل القضية، “الوضع صعب على الجميع” واستعملوا قصصاً توحي بالتحديات التي يمر بها أهل القضية جراء عدم وجود فجوة أو حاجة تغيريية “وهذا ما يحصل معنا ويجعل الوضع صعباً لا يطاق ولا يمكننا العيش به”. اطرحوا الأسئلة حول كيفية التعامل مع هذه التحديات المفروضة بدلاً من التماشي مع الوضع دون خطوات ملموسة “لا نستطيع أن نبقى مكتوفي الأيدي، ماذا تقترح أن نعمل لتحفيز التغيير في هذا الاتجاه؟”.
السيناريو الثامن: تقديم صاحبـ/ـة القرار معلومات جديدة هامة حول القضية
خلال بعض اللقاءات، قد يـ/تقترح صاحبـ/ـة القرار حلولاً لم تخطر على بال الحملة وممثليها سابقاً، إما عبر عرض معلومات جديدة لم تكن معروفة لدى أهل القضية، أو بطرح موارد ولاعبين جدد لم تكن الحملة تعرف عنهم. يختلف هذا المشهد عن السيناريو الثاني (الذي يـ/تحاول فيه صاحبـ/ـة القرار ثني الحملة عن المطلب الرئيسي والمساومة على مطلب أقل تأثيراً) بكون صاحبـ/ـة القرار في هذه الحالة ميسراً نحو الهدف الرئيسي عبر تكتيكات جديدة ربما تكون أكثر إقناعاً عن تلك التي تصورتها الحملة، أو في بعض الأحيان قادم/ـة بحجج منطقية لا تمتلك الحملة سبل الردّ عليها. هنا، يـ/تكون صاحبـ/ـة القرار في موقع يـ/تحاول فيه تحفيز للتغيير بدل عرقلته أو تبطيئه، لذا ننصح ممثلي الحملة بالتريث قبل رفض المقترحات كافة وإبقاء خطوط التواصل مفتوحة بدل حرق الجسور، حتى ولو بدت الأفكار هذه كتسوية غير كافية للقضية. ممثلي القضية ليسوا مجبرين على قبول أو رفض أي أفكار جديدة ضمن اللقاء، بإمكان أخذ رد عن المطلب الأصلي ولكن التحلي ببعض المرونة لمراجعة الطرح الجديد هذا.
التصرف الموصى به: تدوين هذه الأفكار والاستماع والتفكير بها جيداً، كون الأفكار منطقية لا يعني بالضرورة أنّها جيّدة — ولكنها بكل الأحوال مهمة لأنها فتحت باباً أو حواراً جديداً لم يكن موجوداً على الطاولة مسبقاً. عاينوا الحجج، وادرسوها مع الفريق، وصمموا ردوداً عليها أو تكتيكات نحوها إن كانت تصب في مصلحة أهل القضية. إبداء المرونة في الطرح قد يأتي بالاستفادة للحملة أحياناً.
ما-بعد-اللقاء: محاذير عامة
اللقاء الأول ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو بداية علاقة مع المؤسسة ومحادثة مفتوحة مع السلطة. هذا يعني أنّ الحملة يجب أن تتوقع استمرارية لهذه العلاقة إن كانت تريد الاستفادة منها والدفع نحو التغييرات الملموسة في حياة المتضررين/ات من أهل القضية. نوّد أن نضيء على بعض الأساليب الشائعة للمرحلة التي تتلو اللقاء الأولي التي تقيّد من فاعلية التواصل مع السلطة. أحدها الدعوة إلى مجموعة اجتماعات متتالية لاحقة، عادةً ما تكون طويلة، تنتهج الحوارية وتبادل العموميات، دون أجندة ومخرجات واضحة — والرهان يكون على ملل أهل القضية وإحباط الحملة التي لا ترى أي تقدم جديد في الحالة. ننصح هُنا بتقييد عدد ووقت الاجتماعات وحصرها بمطلب واضح أساسي ذو مخرج قابل للعرض والمتابعة يبني على مسار الحملة. أسلوب آخر قد يكون في شرذمة ممثلي الحملة عن القضية والتعامل معهم في إطار فردي، قد يميل إلى الزبائنية الخدمية حيث يـ/تحقق صاحبـ/ـة القرار مطالبهم الشخصية عوضاً عن التغيير العام والأوسع، وهذا يؤذي الحملة ويضعف الثقة بين القياديين/ات وأهل القضية والممثلين أمام السلطة. ننصح بتفادي تلقي الخدمات الفردية والتركيز دوماً على العمل والتغيير الجماعي النضالي.
الخلاصة
في هذا المقال، عرضنا سيناريوهات شائعة قد تواجهها الحملات خلال اللقاءات مع أصحاب القرار، مع توصيات للتعامل معها بفعالية. تشمل السيناريوهات تنصل أصحاب السلطة من المسؤولية، تحجيم أو تأجيل أو رفض مطالب الحملة، التشتت والإلهاء، تقديم الاستعطاف والشفقة، أو حتى تقديم حجج منطقية مضادة هامة. قدمنا نصائح للتعامل مع كل سيناريو، مثل وضع سقف زمني للوعود، وتجنب التودد أو الانفعال أو الإحراج، المرونة التي لا تنفي التركيز نحو المطلب المرجو. نؤكد أنّ العلاقة مع ولقاء السلطة ليست حلّاً استراتيجياً لكافة الحملات؛ قد تكون ضرورية لبعض المطالب ولكنها ليست هدفاً بحد ذاته، ولا خطوةً إلزامية على المنظمين/ات الاجتماعيين. في بعض السياقات، قد يشكل التفاوض مع السلطة خطراً أمنياً؛ لذا يجب على الحملة تقييم جدوى وخطورة اجتماع كهذا قبل البدء بالتخطيط إليه.
مصادر أُخرى مفيدة (بالإنجليزية، يمكنكم استعمال خاصية ترجمة الصفحات من جوجل أو تشات جي بي تي للقراءة بالعربية):
من «Just Power»
من جامعة هارفرد
من مجلة «فوربس»